طارق العوضي يكتب: في ذكري 25 يناير العلاقة بين السلطة والمعارضة أزمة ثقه لا محدودة

تمر العلاقة بين السلطة والمعارضة في مصر بأزمة ثقة عميقة تضرب بجذورها في عمق التاريخ السياسي المصري الحديث. هذه الأزمة ليست وليدة اللحظة الراهنة، بل هي نتاج تراكمات تاريخية وسياسية واجتماعية معقدة بدأت منذ ثورة 1952 وما أسسته من نمط العلاقة بين الدولة والقوى السياسية المختلفة.

شكَّلت تجربة الإخوان المسلمين في مصر منعطفًا حاسمًا في تشكيل هذه العلاقة المعقدة، حيث تركت إرثًا ثقيلًا من التوجس والريبة المتبادلة بين الإسلام السياسي والدولة.

كما أن التجربة الليبرالية المحدودة في السبعينات وما تلاها من انحسار في الثمانينات والتسعينات أسهمت في تعميق الفجوة بين السلطة والمعارضة.

وجاءت ثورة 25 يناير 2011 لتضيف بُعدًا جديدًا لهذه الأزمة، حيث أدت إلى استقطاب حاد في المجتمع المصري لا تزال تداعياته مستمرة حتى اليوم.

تتجلى الأزمة في ضعف المؤسسات السياسية الوسيطة، حيث تعاني الأحزاب والنقابات ومؤسسات المجتمع المدني من قيود تحد من فاعليتها. كما أن هيمنة المؤسسات الأمنية على إدارة الملف السياسي، وغياب الآليات المؤسسية للحوار والتفاوض السياسي، يزيد من تعقيد المشهد. يضاف إلى ذلك منظومة تشريعية مقيدة للعمل السياسي والمدني، تحد من قدرة المعارضة على ممارسة دورها الطبيعي في المجتمع.

كما تلعب الأزمات الاقتصادية المتلاحقة دورًا محوريًا في تأجيج حدة الاستقطاب السياسي، حيث يبرز تباين واضح في الرؤى حول السياسات الاقتصادية وبرامج الإصلاح. كما أن تداخل المصالح الاقتصادية مع المواقف السياسية يخلق تعقيدات إضافية في المشهد.
ويسهم الخطاب الإعلامي المتحيز في تعميق الانقسام المجتمعي من خلال التشويه المتبادل بين السلطة والمعارضة.

يتطلب حل هذه الأزمة مقاربة شاملة تبدأ بإطلاق حوار وطني حقيقي برعاية مؤسسات محايدة، وتطوير قواعد اللعبة السياسية بما يضمن المنافسة العادلة.

كما يستلزم إصلاحًا شاملًا للتشريعات المنظمة للعمل السياسي والإعلامي والمدني، وبناء توافق مجتمعي حول برامج الإصلاح الاقتصادي وتعزيز الشفافية في إدارة الموارد العامة.

يعد تقوية مؤسسات الوساطة المجتمعية ونشر ثقافة الحوار وقبول الاختلاف من الركائز الأساسية لبناء جسور الثقة بين مختلف القوى المجتمعية. غير أن نجاح هذه المساعي يتطلب إرادة سياسية حقيقية من السلطة للإصلاح، ونضجًا سياسيًا من المعارضة في إدارة مطالبها، مع دور إيجابي للمؤسسات الوطنية في دعم الحوار.

تواجه هذه الجهود تحديات جمة، أبرزها استمرار الأزمات الاقتصادية وتأثيرها على الاستقرار، والتدخلات الخارجية وتأثيرها على المشهد الداخلي، ومقاومة المستفيدين من الوضع الراهن لأي تغيير، فضلاً عن تعقيدات الوضع الإقليمي وتأثيراته المحتملة.

إن بناء الثقة بين السلطة والمعارضة في مصر ليس ترفًا فكريًا، بل ضرورة وطنية ملحة لتحقيق الاستقرار والتنمية المستدامة.

ويتطلب ذلك جهودًا متواصلة وإرادة حقيقية من جميع الأطراف للوصول إلى أرضية مشتركة تحقق المصلحة العليا للوطن وتضمن مستقبلاً أفضل للأجيال القادمة.

اقرأ أيضًا: طارق العوضي ممثلًا مصر ببعثة المراقبة الدولية للانتخابات الرئاسية في جمهورية بيلاروسيا

. .2sed

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *