حفّز تخليد اليوم العالمي للتأهب للأوبئة، الذي يصادف الجمعة 27 دجنبر، دعوات خبراء وباحثين في سياسات ونظم الصحة إلى تقوية المنظومة الصحية الوطنية لكي تصبح قادرة “بما يكفي” على مواجهة “الأوبئة المحتمل أن تظهر بالعالم مستقبلا، والتي تحذر منظمة الأمم المتحدة من أنها في ظل غياب الاهتمام العالمي الكافي بالاستعداد لها، قد تكون أقوى من حيث الخطورة ونسبة التفشي مقارنةً بسابقاتها”.
ما استحضره الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، في كلمته بمناسبة الحدث، من إلحاق الأوبئة “الدمار بالتنمية الاجتماعية والاقتصادية طويلة الأجل”، مستندا إلى تجربة “كوفيد-19″، أكدّ الباحثون أنفسهم أنه يستدعي الحاجة إلى تطوير المغرب، كما باقي دول المعمور، “استراتيجية متكاملة للتأهب للأوبئة، تقوم على استعداد كافة القطاعات الحكومية للجائحات الصحية، وليس وزارة الصحة لوحدها، من خلال تقوية المنظومة الصحية”.
كما شدد هؤلاء في الآن نفسه على “الحاجة إلى تركيز البلد كذلك على إجراءات الوقاية المرتبطة بالبيئة أساسا؛ إذ إن التوقعات تشير إلى أن غالبية الأوبئة التي قد تظهر مستقبلاً ستكون ناتجة عن تدمير بيئة الحيوان”.
“حاجة للتطوير”
وقال الطيب حمضي، طبيب باحث في السياسات والنظم الصحية، إن “المغرب اكتسب من خلال تجربتي كوفيد-19 وجدري القرد خبرة مهمة في مواجهة الأوبئة والجائحات الصحية”، مضيفا أن “تدبير جائحة كورونا بنى عبره المغرب مقومات عدة، تجعله قادرا بشكل كبير على هذه المواجهة مقارنةً بالدول الإفريقية الأخرى”.
وأوضح حمضي، في تصريح لهسبريس، أن “هذه المقومات التي قوّى البلد بعضها خلال تدبيره أيضا كارثة زلزال الحوز، همّت أساسا تطوير الرصد الوبائي وقوةَ خدمات المستشفيات الميدانية ونجاعتها”، مضيفا أنها “تشمل كذلك استراتيجية متكاملة للقاحات؛ إذ أطلق المغرب وحدة بنسليمان، وتم بها إجراء أبحاث سريرية حول لقاحات كوفيد-19، ما يفتح الباب لأبحاث مماثلة لأوبئة أخرى”.
وأكدّ الطبيب الباحث في السياسات والنظم الصحية “أهمية كون البلد قادرا على إنتاج 70 في المئة من الأدوية، في تقوية استعداد المنظومة الصحية المغربية للأوبئة والجائحات”، مشددا على أن “تمكن المغرب من رقمنة كثير من الخدمات خلال كوفيد-19، على رأسها المساعدات التي صرفت للساكنة، هو أحد المقومات المهمة التي سترفع قدرته على تدبير الجائحات المقبلة”.
رغم ذلك، شددّ المصرح على أن “العالم ككل، بما فيه المغرب، غير مهيأ بما فيه الكفاية لمواجهة الأوبئة والجوائح القادم، ما يستدعي من المملكة العمل على تطوير وتقوية منظومة الرصد الوبائي الاستباقي، وكذلك منظومة المراقبة الخاصة للأمراض الموجودة أساسا، حتى إّذا تحولت إلى أوبئة تكون هناك قدرة كافية على مواجهتها ومحاصرتها”.
ودعا الطبيب عينه إلى “جعل المنظومة الصحية قادرة على التعامل السريع مع أي وباء مستجد، وممتلكة المرونة الكافية للتكيف مع مُتحوراته وطفراته، موازاةً مع تقوية صناعة اللقاحات، وتطوير البحث العلمي لكي يتم بسرعة إيجاد اللقاحات المناسبة لأي وباء محتمل”.
وشددّ على أن “من الصعب أساسا القيام بتدبير جائحة ما من دولة لوحدها، بما أن الجائحة تنتشر عادة في العالم ككل”، مؤكدا أهمية “التزام كافة دول العالم بالوقاية من خلال احترام البيئة؛ نظرا لأن جميع الأوبئة في العالم يُرتقب أن تكون مستقبلا عبارة عن ميكروبات وفيروسات منقولة من الحيوان إلى الإنسان بسبب تدمير بيئة الحيوان”.
“إرادة سياسية”
بدوره، قال محمد اعريوة، الكاتب العام للمنظمة الديمقراطية للصحة، إن “التجربة المغربية في تدبير جائحة كوفيد-19، كانت رائدة عربيا وإفريقيا، سواء من ناحية نجاعة البروتوكول العلاجي أو العناية بالمصابين أو توفير اللقاحات”، مشيرا إلى أن “هذه الريادة التي حصدت إشادة منظمة الصحة العالمية ودول عديدة، هي ثمرة رؤية الملك، الذي مكّن إشرافه الشخصي على هذا التدبير من تجنيب المغرب الدخول في دائرة الخطر التي انزلقت إليها دول بمنظومات صحية قويّة”.
وأوضح اعريوة، في تصريح لهسبريس، أن “التداعيات المركبة: الصحية، الاقتصادية والاجتماعية لهذه الجائحة، تستدعي أن لا يتمّ الاكتفاء بتخليد هذه الأيام فحسب، بل أن يتم تسطير استراتيجية سياسية قائمة على تهيئة برامج يقظة صحية واقتصادية واجتماعية للتعامل مع الأوبئة المماثلة التي قد يشهدها العالم”، مشددا على أن “المسؤولية متقاسمة بين جميع القطاعات الحكومية، وليست ملقاة على عاتق وزارة الصحة فحسب”.
وتفاعلاً مع سؤال الحاجة إلى تقوية منظومة اللقاحات، بما أن “ضعف هذه الأخيرة أو عدم قوتها بالشكل الكافي هو ما جعل دولاً قوية اقتصاديا تعاني في توفير اللقاحات لمواطنيها”، شددّ اعريوة على أن “هذا الإجراء يقع في صلب رؤية المغرب لمواجهة الأوبئة”.
وأضاف الطبيب العام عينه شارحا أن “إطلاق الملك محمد السادس أشغال مصنع بنسليمان للقاحات سنة 2022، عكس النظرة الاستباقية للمغرب على الصعيد الإفريقي في ما يخص ضرورة تقوية صناعة اللقاحات استعدادا لأي أوبئة قد يشهدها العالم مستقبلاً”، مطمئناً “المغاربة بأن مستوى قوة الاستعداد المغربي للأوبئة مُرضٍ، رغم أن ذلك ما يزال بحاجة إلى التدعيم بالاستراتيجية سالفة الذكر”.