أياما فقط بعد “الجدل” الذي رافق تمسك وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة بشرط عدم تجاوز 30 سنة لاجتياز المباراة التكميلية التي أعلنت عنها لولوج مسلك تأهيل أساتذة التعليم الابتدائي، أفرجت وزارة الاقتصاد والمالية عن مباراة لتوظيف مفتشين للمالية، مفتوحة بدورها للمترشحين الذين لم يتجاوزوا هذا السنّ، ما أثار انتقادات من لدن رواد مواقع التواصل الاجتماعي وحقوقيين.
ولزوم عدم تخطي سن المترشحين لاجتياز مباراة مفتشي المالية 30 سنة على الأكثر، من غير الموظفين، كان من بين الشروط التي كان حددها قرار لوزيرة الاقتصاد والمالية بتحديد شروط وشكل وبرنامج مباراة توظيف مفتشي المالية، صدر بالجريدة الرسمية عدد 25 أبريل 2024.
وانتقد رواد على مواقع التواصل الاجتماعي “تسقيف السن” في مباراة مفتشي المالية؛ حيث حذر معلّق من “انتقال شرط السن تدريجيا إلى الوظائف الأخرى”، مردفا: “بشرى لكم، اصمتوا عن حقكم الممنوح من الدستور”، فيما استنكر آخر “عدم جدوى التوفر لا على الإجازة، ولا الماستر ولا الدكتوراه، في سن 30 عاما”.
وبالنسبة إلى حقوقيين فإن “تسقيف سن اجتياز بعض مباريات الوظيفة العمومية في 30 سنة يتناقض مع مقتضيات الفصل 31 من الدستور الذي نصّ على التزام الدولة بتوفير فرص الشغل للجميع دون تمييز، ومع واقع انتشار البطالة التي ارتفعت بحسب نتائج الإحصاء الأخير إلى 21,3 في المائة”.
وأكد الذين تحدثوا لهسبريس أنه “إذا كان سنّ 30 سنة سيصير قاعدة في شروط اجتياز جميع مباريات الوظيفة العمومية فيتعيّن أن يتم ذلك بتعديل قانوني واضح يحترم القنوات الدستورية والمؤسساتية”.
وكانت الوزيرة السابقة المنتدبة لدى رئيس الحكومة المكلفة بالانتقال الرسمي، غيثة مزور، أكدت خلال جلسة للأسئلة الشفوية بمجلس النواب، رداً على انتقادات لاعتماد الشرط سالف الذكر في مباريات للوظيفة العمومية، أن “الأنظمة الأساسية للوظيفة العمومية هي التي جاءت بشروط خاصة، من بينها السن الأقصى، فبالنسبة للوظائف في السلم 10 فما فوق فإن الحد الأقصى هو 45 سنة، وهذا مازال يجري به العمل إلى اليوم”.
وأكدت مزور أنه “بالنسبة للتوظيف الخاص بالسلالم أقل من 10 فالسن الأقصى هو 40 سنة، ويمكن أن يصل إلى 45 سنة، إذا كانت له (المترشح) تجربة سابقة في الوظيفة العمومية”، مفيدة بأن “المؤسسات العمومية لا تتبع نظام الوظيفة العمومية، ولديها أنظمة خاصة تتم المصادقة عليها في مجالسها الإدارية”.
القانون والواقع
قال عادل تشيكيطو، رئيس العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان، إن “تحديد شرط ثلاثين سنة كحد أقصى لولوج مباريات التوظيف في بعض الوزارات المغربية، وضمنها مباراة توظيف المفتشين بوزارة الاقتصاد والمالية، يتعارض مع مبدأ تكافؤ الفرص، الذي يعد من أسس العدالة الاجتماعية، خاصة أن الفصل 31 من الدستور المغربي نصّ على ضمان الدولة فرض الشغل لجميع المواطنين على قدم المساواة، دون تمييز ينتقص من حقّ فئة معيّنة”.
وأضاف تشكيطو، في تصريح لهسبريس، أنه “هذا الشرط يعتبر تمييزا غير مبرر قد يقوض الحق في العمل، هذا الحقّ الأساسي المنصوص عليه في المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، مثل العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية”، مبرزاً أن “تطبيقه يعكس عدم الانسجام بين سياسات التوظيف وسياسات التنمية المستدامة التي يسعى من خلالها المغرب إلى تقليص الفوارق الاجتماعية ودعم الفئات الأكثر تضررا من البطالة”.
وشدد الناشط الحقوقي عينه على أن “هذا الشرط يبدو غير عادل أساسا بالنظر إلى واقع المغرب، الذي يعاني الكثير من شبابه من البطالة التي وصلت نسبتها حسب إحصائيات المندوبية السامية للتخطيط خلال الفصل الثاني من السنة الجارية إلى 13.1 في المائة، وحسب نتائج الإحصاء العام للسكان والسكنى إلى 21,3 في المائة”.
وأكد المصرّح عينه أن “معايير التوظيف ينبغي أن تركز على الكفاءة والمؤهلات لا على السن، خصوصًا أن الكثير من الشباب يستثمرون سنوات طويلة في التحصيل العلمي للحصول على الشواهد العليا واكتساب الخبرات اللازمة للتفوق في ميدانهم”.
وخلص تشيكيطو إلى “ضرورة إعادة النظر في هذا الشرط في جميع مباريات الوظيفة العمومية، مع اعتماد آليات تتيح التوظيف على أساس الاستحقاق والكفاءة ومراعاة تحدي البطالة الذي يواجه الشباب المغربي”، مؤكداً وجوب “فتح نقاش وطني حول معايير التوظيف في القطاع العام لضمان توافقها مع مبادئ المساواة والإنصاف”.
تعديل واضح
عبد الإله الخضري، رئيس المركز المغربي لحقوق الإنسان، عدّ “تحديد 30 سنة كسقف لمباراة مفتشي المالية بوزارة الاقتصاد تجاوزًا قانونيًا ومخالفة صريحة لمبدأ احترام القوانين، لكونه يتناقض مع القواعد العامة التي تؤطر المباريات العمومية، التي تعتمد على المساواة والفرص المتكافئة، خاصةَ الفصل 31 من دستور سنة 2011”.
وأوضح الخضري، في تصريح لهسبريس، أن “تحديد سن 30 سنة من شأنه حرمان شريحة واسعة من الشباب المغاربة الذين كانوا اضطروا لتأجيل دراستهم بسبب ظروف اقتصادية أو اجتماعية من التنافس على المناصب المفتوحة في هذه المباراة، رغم قدرتهم على أداء مهام التفتيش المالي بكفاءة”.
وشددّ رئيس المركز المغربي لحقوق الإنسان على أن “المقصيين من اجتياز هذه المباراة بسبب سنهم قد يكونوا راكموا خبرات مهنية أو أكاديمية مهمّة تجعلهم أكثر تأهيلًا للعمل في وزارة المالية، ما يعني أن تحديد سقف 30 سنة سيحرم الإدارة في نهاية المطاف من فرصة الاستفادة من هذه الخبرات، وهو ما يتناقض مع هدف تحسين جودة الأداء الإداري”.
وحذّر المتحدّث عينه من “كون حرمان هؤلاء من حقهم في التنافس على الوظائف العمومية سيزيد من معدلات البطالة ويعمق الفوارق الاجتماعية، ما يتناقض مع التزامات الدولة بتوفير فرص الشغل لمواطنيها بموجب الفصل سالف الذكر”.
وسجّل رئيس المركز المغربي لحقوق الإنسان أنه “من الناحية القانونية يجب أن يجري أي تعديل لشرط من شروط الولوج إلى الوظيفة العمومية في إطار تعديل قانوني واضح وصريح يحترم قنوات الإقرار والمصادقة الدستورية والمؤسساتية”، معتبرا أن “القرار الحالي يبدو ارتجاليًا، وهو ما قد يعرضه للطعن أمام المحاكم الإدارية، إذا ما طالب به المقصيون من هذه المباراة التي نحن بصددها”.
تعليقات