بعد مرور أربعة عشر عامًا على اندلاع ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011 التي أطاحت برأس نظام الحكم في ذلك الوقت، سرى شعور بالسعادة الغامرة في صفوف المصريين من مختلف الطبقات مع أحلام وردية بأن الغد سيكون أفضل على مختلف المستويات. ورغم الخوف العام من حالة الانفلات الأمني والفوضى التي ضربت الشارع المصري، إلا أن الاتجاه العام الذي ساد في ذلك الوقت كان أن القادم أفضل.

وجاءت انتخابات برلمان 2011 لتصيب الرأي العام، لا سيما القوى المدنية، بصدمة أولية نتيجة استحواذ أحزاب الإسلام السياسي على قرابة 70٪ من مقاعد المجلس، وتبلور توجه إخواني/سلفي لاستعجال عملية التمكين وتهميش الأحزاب المدنية. وجاءت الصدمة الثانية بفوز مرشح جماعة الإخوان بمنصب رئيس الجمهورية، وسعي الرئيس الراحل محمد مرسي لاستنساخ نموذج ولاية الفقيه بما يشمله من جيش موازٍ على غرار الحرس الثوري الإيراني. وطرحت تساؤلات في ذلك الوقت حول كيف ولماذا جرى اختطاف ثورة 25 يناير من قبل الجماعة وأنصارها؟

وفي مواجهة محاولات التمكين وطمس الهوية المصرية، ثار الشعب المصري مرة ثانية واسترد ثورته بمعاونة الجيش في الثلاثين من يونيو 2013، فعاد الأمل من جديد في استكمال بناء دولة مدنية حديثة بشكل تدريجي وتطوري. تدريجيًا اكتشفنا أن الميراث السلطوي لدى الأجهزة المصرية ومقاومة عملية التحول الديمقراطي أقوى من آمال المصريين، وتراجعت الآمال في بناء دولة مدنية ديمقراطية حديثة ولو بشكل تدرجي وعلى مدى زمني متوسط.

ورغم تراكم المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وصعوبة المعيشة لغالبية المصريين، إلا أن الاتجاه الذي ساد بعد 2014 هو أننا لا نريد تكرار تجربة 25 يناير من جديد؛ البعض خوفًا من عودة الإخوان، والبعض الآخر خوفًا من فقدان الأمن والاستقرار والقلق من تجارب دول الجوار مثل ليبيا وسوريا، والبعض الثالث من فئة المثقفين والباحثين إدراكًا لخطورة الدخول في حالة فراغ في ظل غياب البنية التحتية للتحول الديمقراطي التدريجي، مثل مناخ عام مفتوح، قدر من حرية الإعلام، وتعددية سياسية.

انسحبت الأجهزة الأمنية من إدارة المشهد السياسي، واستمرت هيمنة الأحزاب المبنية بتعليمات من أعلى، والعودة للاعتماد على رجال نظام مبارك سياسيًا وإعلاميًا واقتصاديًا أيضًا، وبدأت مرحلة تخوين وتشويه ثورة يناير وتحميلها مسؤولية التدهور العام الجاري في البلاد.

الأخطر من كل ذلك هو تصاعد التوجه نحو تديين المجال العام، مثل قرار العودة إلى نظام كتاتيب القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين، وجعل مادة “الدين” مادة نجاح ورسوب من الصف الأول الابتدائي، ومضافة إلى مجموع الثانوية العامة بنسبة 15٪ من المجموع الكلي.

لكل ذلك، أقول إن اختطاف ثورة 25 يناير جاء كمحصلة منطقية لتديين المجال العام من قبل السادات واستمراره في عهد مبارك مع محاصرة القوى المدنية وضربها بشدة كي يكون الإسلام السياسي البديل الوحيد للنظام، وهو ما تخشاه أغلبية المصريين.

باختصار شديد، فشلت ثورة 25 يناير بسبب سياسات ممنهجة لتغييب البنية التحتية اللازمة للديمقراطية. فالديمقراطية تتطلب ترسيخ منظومة قيم عامة مثل الحرية، العدل، المساواة، الفصل والتوازن بين السلطات، الشفافية والمحاسبة. وهي قيم يجري ترسيخها من خلال نظام تعليم مدني عصري، وممارسات تراعي الدستور والقانون وتحترمه وتحافظ على روحه.

وأخيرًا أقول بوضوح إننا تعلمنا أنه لا ديمقراطية دون ديمقراطيين، ومن ثم فلا تطبيق لقانون دون مؤسسات قوية تمارس دورها الدستوري، تراقب وتحاسب، ولا أحد فوق القانون. فإذا كان فاقد الشيء لا يعطيه، فإن غير المؤمن بحقوق المواطنة والمساواة وعدم التمييز لا يمكن أن يطبق هذه المواد، سواء من خلال العملية التشريعية التي تحول نصوص الدستور ومواده إلى قوانين، أو من خلال مؤسسات الدولة التنفيذية والبيروقراطية التي بإمكانها إفساد كل شيء وتحويل القوانين إلى مجرد حبر على ورق.

. .xv32