شادى العدل يكتب: بعد أربعة عشر عامًا هل حان وقت المصالحة؟

مرت أربعة عشرة سنة على ثورة الخامس والعشرين من يناير، تلك الهبة الشعبية التي هزت أركان النظام السياسي في مصر، وأطلقت شرارة تغيير طال انتظاره. ورغم مرور هذه السنوات، لا تزال روح الثورة حاضرة في وجدان الكثيرين، كشعلة لم تنطفئ، تذكر بأيام الحلم والأمل في مستقبل أفضل، لكن مع مرور الوقت، يطرح سؤال نفسه بإلحاح هل حان الوقت لمصالحة شاملة بين الدولة المصرية وصناع هذه الثورة، وكذلك ثورة الثلاثين من يونيو التي تلتها؟ وهل الإفراج عن سجناء الرأي، وخاصة من أبناء يناير مثل محمد عادل وعلاء عبد الفتاح ومحمد القصاص وغيرهم، يمثل خطوة ضرورية نحو بناء مناخ سياسي هادئ يسمح بتعاون الجميع من أجل تطوير الدولة المصرية؟

كانت ثورة يناير تعبيرًا عن إرادة شعبية جارفة للتغيير، مطالبة بالحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية، انطلقت من رحم المعاناة والتهميش، رافعة شعارات طالما حلم بها المصريون، ونجحت الثورة في إسقاط رأس النظام، لكن مسار التحول الديمقراطي واجه تحديات جمة، من صراعات سياسية واقتصادية واجتماعية، إلى جانب تحديات أمنية وإقليمية.

ثم جاءت ثورة الثلاثين من يونيو بعد عام من حكم الإخوان، معبرة عن رفض قطاعات واسعة من الشعب لسياسات الجماعة، فاعتبرها البعض تصحيحًا لمسار ثورة يناير، بينما رآها آخرون قطيعة مع أهدافها، وبغض النظر عن هذا الجدل، فإن كلا الثورتين تمثلان لحظات فارقة في تاريخ مصر الحديث، وتعكسان رغبة الشعب في التغيير نحو الأفضل.

وبعد مرور هذه السنوات، يظل سؤال المصالحة مطروحًا بقوة، هل المصالحة ضرورة حتمية لبناء مستقبل مستقر لمصر، أم أنها مجرد ترف سياسي في ظل التحديات الراهنة؟

فالمصالحة ليست مجرد لقاء بين أطراف مختلفة، بل هي عملية معقدة تتطلب اعترافًا بالخطأ، وجبرًا للضرر، وثقة متبادلة، ورغبة حقيقية في بناء مستقبل مشترك، كما تتطلب المصالحة أيضًا معالجة جذور المشاكل التي أدت إلى الثورات، من قضايا سياسية واقتصادية واجتماعية، مصالحة تُرضي ضمير الوطن، وتُعيد الثقة بين الدولة وشعبها، وتفتح الباب أمام تعاون حقيقي من أجل بناء دولة حديثة ديمقراطية، دولة يسود فيها العدل والقانون، ويتمتع فيها الجميع بالحرية والكرامة. هذا هو التحدي الحقيقي الذي يواجه مصر اليوم، وهو التحدي الذي يجب على الجميع مواجهته بشجاعة ومسؤولية.

ويُعد الإفراج عن سجناء الرأي، وخاصة من أبناء يناير، من المطالب الأساسية لبناء الثقة وتهيئة المناخ للمصالحة، فهؤلاء الشباب الذين دفعوا ثمنًا غاليًا من حريتهم دفاعًا عن آرائهم وحقهم في التعبير، يمثلون ضمير الثورة ورمزًا لتضحياتها، فإطلاق سراحهم ليس مجرد تطبيق للقانون، بل هو رسالة طمأنة للشباب وللمجتمع بأن الدولة تحترم حرية الرأي والتعبير، وأنها جادة في بناء مستقبل ديمقراطي.

إن بناء مناخ سياسي هادئ يسمح بتعاون الجميع من أجل تطوير الدولة المصرية هو مسؤولية مشتركة تقع على عاتق الدولة وجميع القوى السياسية والمجتمعية، ويتطلب ذلك حوارًا جادًا وشاملًا، يشارك فيه جميع الأطراف دون إقصاء أو تهميش، بهدف التوصل إلى رؤى مشتركة حول مستقبل مصر.

. .b4xv

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *