أثار كشف رئيس الفريق النيابي للتقدم والاشتراكية، خلال الجلسة العامة للأسئلة الشفهية بمجلس النواب، الإثنين، لجوء مصحات خاصة إلى “الاستعانة بسماسرة” من أجل “جلب مرضى بغرض إجراء عمليات جراحية لهم، على أساس اندراجها في حملات طبية مجانية، ثم تلقي تعويضات عنها من الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، يصرف منها نصيب لهؤلاء السماسرة”، مطالبة مهتمين بالشأن الصحي بالإسراع في إخراج النصوص التنظيمية لتطبيق القانون رقم 22-077 يتعلق بإحداث الهيئة العليا للصحة.
ورغم الاختلاف بشأن طبيعة الجهة المسؤولة عن مثل “هذه الممارسات”، أهي “المصحات” أم “المسؤولون عن جمع المواطنين للحملات الطبية”، فقد أبدى المهتمون الذين تحدثوا لهسبريس أسفهم حيال “تعطل تفعيل هذه الهيئة المسؤولة عن مراقبة ورش تعميم التأمين الإجباري وحصار هذه الممارسات، بسبب عدم إصدار هذه النصوص، موزاةً مع استمرار استئثار القطاع الخاص بحصة الأسد من مرجوعات الضمان الاجتماعي”.
تفاصيل الممارسات
كشف رشيد حموني، رئيس فريق التقدم والاشتراكية بمجلس النواب، أن “مصحات خاصة بالدار البيضاء والرباط، أساساَ، تعمل على الاستعانة بسماسرة، يقنعون ما يصل إلى 50 و60 شخصاَ من المستفيدين من التأمين الإجباري عن المرض، بتنظيمها حملات طبية مجانية تشمل خدماتها إجراء عمليات جراحة للقلب وإزالة المياه البيضاء (الجلالة)، خصوصا أن هذه العمليات يتم التعويض عنها 100 بالمائة”.
وأوضح حموني، في معطيات تفصيلية خاصة لهسبريس، أنه “بعد إجراء العمليات الجراحية في إطار هذه الحملات ترسل المصحات ملفات المستفيدين بغرض استلام التعويضات، الذي غالباً ما يتم خلال 15 يوماَ”، مُفيدا بأنه “بعد هذا الاستلام تمنح المصحة للوسيط 500 درهم عن كل مريض، فيما تتبقى لها 5000 درهم”، وزاد: “هناك من المستفيدين من ربما لا يحتاج عملية جراحية، ويتم إقناعه لإجرائها للاستفادة من أكبر قدر ممكن من التعويضات”.
واستغرب النائب عينه “إجراء مصحات خاصة مئات العمليات رغم أنها لا تضم العدد المطلوب من الأطباء”، مفيدا بأن “من يجرون هذه العمليات أطباء غير موظفين بالمصحة، يتم منحهم 800 درهم عن كل عملية”.
وعدّ المتحدّث ذاته أن “المصحات التي تقوم بمثل هذه الممارسات تستغل غياب الهيئة العليا للصحة من الناحية العملية، بسبب عدم إصدار النصوص التنظيمية للقانون المحدث لها، رغم مرور الأجل القانوني المحدد لذلك”، مؤكدا أن “عددا من المصحات الخاصة لا تتوانى كذلك، في ظل ‘تعطل’ مؤسسة الحكامة المعنية بالمراقبة، عن إجراء عمليات بتكلفة تفوق خمسة أضعاف كلفتها في المؤسسات الصحية العامة، نظرا لغياب مراقبة الفواتير”.
ودعا البرلماني نفسه إلى “فتح تحقيق عاجل في هذه الممارسات، التي تؤدي إلى استنزاف الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وإفشال الورش الملكي للتغطية الصحية في ظرف وجيز، مع إيقاف هذه التعويضات ريثما يستكمل التحقيق”، مبرزا أن “الممارسات الاحتيالية في التأمين الإجباري سبق أن تطرقت لها الهيئة الوطنية للأطباء”؛ كما شددّ على أن “رئيس الهيئة العليا للصحة، رغم تعيينه من قبل الملك محمد السادس، فإنه من الناحية العملية مازال ‘عاطلاً’، بسبب غياب النصوص التنظيمية للقانون المحدث للهيئة”.
“مسؤولية مشتركة”
متفاعلا مع هذه المعطيات أوضح علي لطفي، رئيس الشبكة المغربية للدفاع عن الحق في الصحة الحق في الحياة، أنه “عمليا من الصعب اتهام المصحات بكونها المسؤولة عن مثل هذه الممارسات، بما أنها تشتغل وفق الضوابط القانونية والتعريفة المرجعية”، دون أن ينفي “وجود عدة أشخاص يقومون بجمع المرضى والتوجه بهم نحو المصحات من أجل الاستفادة من عمليات جراحية وخدمات طبية”.
وأبرز لطفي، في تصريح لهسبريس، أن “من يتم استدعاؤهم لهذه الحملات يشترط فيهم التوفر ‘أمو تضامن’ أو تأمين صحي”، معتبراً أن “من يعملون على البحث عن المرضى، وإيهامهم بأنهم سيعالجون مجاناً ببعض المصحات، من أجل الاستفادة من نصيب عن كل تعويض تتلقاه المصحة عن عملية أو خدمة صحية تقدمها لمستفيد معيّن، هم أفراد عصابات تتاجر بصحة المواطنين المغاربة، عبر ممارسات غير قانونية في نهاية المطاف”.
وبخصوص “الدور المحتمل لغياب النصوص التنظيمية للقانون المحدث للهيئة العليا للصحة في مثل هذه الممارسات” أكدّ المصرّح عينه أنه “من الناحية المبدئية يجب العمل على إخراج هذه النصوص إلى حيز الوجود، من أجل تفعيل مقتضياتها بأسرع وقت ممكن”، مُشددا على أن “وزارة الصحة والحماية الاجتماعية لا تتحمّل مسؤولية تأخر إصدار هذه النصوص”.
وأورد المتحدث ذاته أن “رئيس الهيئة المعيّن من طرف الملك محمد السادس المفروض أن يتحمّل مسؤوليته في هذا الإطار، فيعمل على التنسيق مع وزارة الصحة للعمل على إخراج هذه النصوص التنظيمية”، وذلك رغم إفادة هسبريس بكون “رئيس الهيئة لا يملك صلاحية إصدار نصوص تنظيمية لقانون هذه المؤسسة”.
“تأخر كبير”
من جانبه أكد رضا شروف، الطبيب والكاتب العام للجامعة الوطنية لقطاع الصحة، “وجود تأخر كبير في تفعيل الهيئة العليا للصحة بسبب عدم إصدار النصوص التنظيمية للقانون المحدث وعدم هيكلتها (باستثناء تعيين الرئيس من قبل الملك) إلى حدود الساعة، رغم أن لها دورا مهما جدا في تنزيل ورش تعميم التأمين الإجباري عن المرض”.
وأوضح شروف، في تصريح لهسبريس، أن “مشكل استفادة القطاع الخاص من التعويضات عن العمليات المجراة للمستفيدين من التأمين ‘أمو تضامن’ بسرعة غريبة، تصل أحيانا إلى 15 يوماً بعد إجراء العملية، مقابل التأخر في إصدار هذه التعويضات للمستشفيات العامة، لسنة أو سنتين أحيانا، مطروح منذ مدة”، مبرزا أنه “قد يمثل تشجيعاً للمصحات الخاصة، على حساب المستشفيات العامة، التي هي مطالبة بشراء المعدات والأجهزة الطبية”.
وشددّ المتحدث ذاته على “ضرورة التعجيل بإصدار النصوص التنظيمية سالفة الذكر، مع تشكيل هياكل الهيئة، على أن يحوز العضوية فيها من يملكون خبرة بالميدان الصحي ودراية بالمجالات الأخرى التي لها علاقة بالقطاع؛ فالأخير له علاقة بقطاعات أخرى، فمثلاَ إذا غاب السكن اللائق يستحيل أن نتحدث عن صحة سليمة”.
تعليقات