130 ألف مقاتل وقلق إسرائيلي.. هل تستعد إيران لمعركة استرداد أذرعها؟

130 ألف مقاتل وقلق إسرائيلي.. هل تستعد إيران لمعركة استرداد أذرعها؟

كتبت- أسماء البتاكوشي:

“سيداسون يومًا تحت الأقدام” عبارة أدلى بها المرشد الأعلى الإيراني، آية الله علي خامنئي، بعد هروب الرئيس السوري السابق بشار الأسد قبل نحو شهر، وسيطرة الفصائل المسلحة على الحكم في دمشق، هذا التطور دفع طهران، الحليف الأول والداعم الرئيسي للأسد، إلى سحب قواتها من المدن السورية التي كانت تسيطر عليها، مع إعلانها الصريح رفض المسار السياسي الجديد في سوريا.

لم تكتفِ إيران برفض المسار السياسي الجديد في سوريا، بل عبّرت عن موقفها بشكل واضح ومتكرر، خاصة في تصريحات المرشد الأعلى، آية الله علي خامنئي، الذي أكد في خطاباته أن المناطق السورية التي وصفها بـ”المحتلة” سيتم تحريرها على أيدي الشباب السوري الشجاع.

هذا الموقف الرافض كرّره خامنئي مرارًا، وكان آخرها في الـ3 من يناير الجاري، إذ أشار دون ذكر صريح للحكام الجدد في سوريا، قائلًا: “لا تغتروا بهؤلاء الذين يتفاخرون اليوم، إن الذين يجولون ويتفاخرون اليوم سيداسون يومًا تحت الأقدام”. تصريحاته تعكس موقفًا متشدّدًا من الإدارة السورية الجديدة، في ظل تصاعد التوتر بين طهران ودمشق بعد سيطرة الفصائل المسلحة.

لم يقتصر رفض طهران على التصريحات فحسب، بل تصاعد إلى تهديدات مباشرة بالتدخل ضد الإدارة السورية الجديدة. ففي ظل مساعي الأخيرة لدمج جميع الفصائل المختلفة في سوريا، أثار النائب الإيراني أحمد بخشايش أردستاني قبل يومين مخاوف واسعة بتصريحه: “لا يمكن تجاهل 130 ألف شخص درّبهم قاسم سليماني ضمن برنامج تدريب الفصائل السورية”، هذا التصريح يعكس تصعيدًا إيرانيًا واضحًا، ليضاف إلى سلسلة من المواقف المتشددة التي أظهرتها طهران.

ويرى عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني، أحمد بخشايش أردستاني، أن تصريح خامنئي بشأن انتفاضة “الشباب السوري”، لا يعني دعم إيران للفصائل السورية، بل يعكس قناعته بأن الحكومة الجديدة في سوريا لن تكون قادرة على مواجهة التحديات العديدة التي تنتظرها.

وشكك أردستاني في إمكانية تشكيل حكم ديمقراطي في سوريا، لافتًا إلى أن الاشتباكات “ستستمر وقد تتفاقم”، بسبب الصراعات بين الفصائل المسلحة المنتمية إلى طوائف وقوميات، فمن غير المرجح أن تتنازل هذه الفصائل، بما فيها الجماعات السنية السلفية التي تختلف مع تحرير الشام، عن أسلحتها بسهولة لصالح الحكومة الجديدة. .

النفوذ الإيراني في سوريا انتهى

وعن الفصائل التي دربتها إيران في سوريا، يرى وجدان عبد الرحمن الباحث في الشأن الإيراني، أنها لا تستطيع لعب دور أساسي في زعزعة الاستقرار كما تدّعي طهران إيران. لكن التصريحات الإيرانية الأخيرة تأتي في ظل الخسائر الكبيرة التي لحقت بها، خاصة بعد سقوط الأسد.

وقال خلال حديثه لـ”مصراوي”، إنه على الرغم من أن إيران قد تتمكن من افتعال بعض المشاكل أو حتى القيام بتفجيرات محدودة، فإن خبرتها السابقة في هذا المجال، مثل محاولاتها التأثير على الداخل الإسرائيلي، لم تحقق نجاحًا يُذكر. وبالطبع، رغم أن المهمة في سوريا قد تكون أسهل بالنسبة لطهران لكنها لن تتمكن من خلق حالة من الفوضى الشاملة”.

ويعتقد “عبد الرحمن”، أن نفوذ طهران العسكري أو السياسي في سوريا انتهى، النظام الإيراني يدرك انتهاء مشروعه في المنطقة، خاصة أن القاعدة الأساسية لنفوذه بسوريا تآكلت، بعد هروب الأسد وتقليص دور حزب الله وتراجع تأثيره بشكل كبير. مشيرا إلى أن وجود طهران سابقًا مع كل الفصائل التي دعمتها، لم ينجح في إنقاذ نظام الأسد أو تحقيق مصالحات مستقرة في البلاد، وأصبح الوضع أصعب خاصة بعد خروجها بالكامل.

2_11zonصمت محسوب

بينما يرى عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني أحمد أردستاني، أن سياسة إيران تجاه سوريا في الوقت الراهن تتسم بالصمت، لكنه لا يعني اللامبالاة،فإن قادة الحكومة السورية المؤقتة يسعون لخلق حالة من الاستقطاب.

وحسب النائب الإيراني، فإن الإدارة السورية الجديدة، تتهم إيران بالتدخل في الشأن السوري، وأردف قائلًا: “إنهم، وفق تصورهم، يعتبرون طهران الطرف الأضعف الذي يمكنهم استهدافه، فإن سوريا ستواجه في المستقبل مشكلات كبيرة، وسيتحرك الشباب الموجودين في البلاد تلقائيًا لتشكيل تنظيمات تهدف إلى مواجهة الحكومة الجديدة”.

ضربة استراتيجية لإيران

“تنظر إيران إلى خسارة نفوذها في سوريا كضربة استراتيجية مؤلمة”، وفق حديث هاني سليمان مدير المركز العربي للبحوث والدراسات لـ”مصراوي”، الذي أوضح أن سوريا بالنسبة لإيران ليست مجرد دولة حليفة، بل تمثل ركيزة أساسية في مشروعها الإقليمي ونقطة اتصال حيوية تدعم من خلالها أذرعها في المنطقة.

وأضاف سليمان أن سوريا هي المنفذ الاستراتيجي لإيران للوصول إلى البحر المتوسط، وهي خط الإمداد الرئيسي لحزب الله اللبناني. خسارتها لا تعني فقط تراجع النفوذ الإيراني في سوريا، بل ضربة قاسية لمشروعها الإقليمي ككل، ومن خلالها استثمرت طهران لسنوات طويلة في تدريب وتسليح الفصائل السورية المسلحة التي يصل عددها إلى عشرات الآلاف.

وأشار إلى أن هذه القوات بالنسبة لإيران هي أداة استراتيجية يمكن أن تستغلها لاستعادة نفوذها على الأرض، لا سيما أنها تعتمد على حلفائها المحليين وعلى نموذج مشابه لتجربة الحشد الشعبي في العراق، فإن هذه القوات قادرة على تنفيذ العمليات وتثبيت النفوذ دون الحاجة إلى تدخل مباشر من إيران، وهو ما يمنح طهران هامشًا أوسع للمناورة”.

3_11zon

وأوضح هاني سليمان أن إيران تسعى الآن لإعادة ترتيب صفوفها من خلال الاعتماد على قواتها المحلية داخل سوريا وإعادة هيكلة المجموعات الموالية لها، مضيفًا: “هناك فرصة للاستفادة من الخلافات الموجودة بين الفصائل والتنظيمات السورية المختلفة، خاصة مع هيئة تحرير الشام، فهي تعول على طول أمد المرحلة الانتقالية في سوريا، التي قد تشهد خلافات حول إدارة الدولة الجديدة والدستور، ما قد يتيح لها فرصة للتأثير من جديد”.

وعن الموقف الإسرائيلي من التحركات الإيرانية، لفت إلى أن “تل أبيب لن تسمح لطهران باستعادة نفوذها بسهولة، فإن السيطرة الإسرائيلية على مرتفعات جبل الشيخ وبعض المناطق الاستراتيجية الأخرى تهدف إلى تطويق أي تحركات إيرانية على الأرض، وسيكون أي وجود عسكري إيراني مستقبلي عرضة للاستهداف المباشر”.

ويرى أن الظروف الحالية معقدة وصعبة على إيران، لكن التجربة أظهرت قدرتها على العمل في بيئات مشابهة. طهران تدرك أن بقاءها كلاعب رئيسي في سوريا يتطلب الصبر، والتركيز على بناء التحالفات الداخلية في سوريا، مع تحييد التهديدات الإسرائيلية بقدر الإمكان.

سلطة وصلت للحكم بالسلاح

فيما يقول الباحث في الشأن الإيراني محمود جابر، إن النظام الحاكم الحالي في سوريا هو نتاج تجمع لفصائل من الإسلام السياسي، والتي كانت مدرجة على قوائم الإرهاب الدولي، فإن أحمد الشرع المعروف بـ”الجولاني”، أحد أبرز رموز السلطة حاليًا، كان مطلوبًا لدى الولايات المتحدة التي خصصت آنذاك مبلغًا كبيرًا للقبض عليه”.

وأضاف الباحث في الشأن الإيراني خلال حديثه لـ”مصراوي”، “نحن أمام سلطة وصلت إلى الحكم بقوة السلاح بدعم إقليمي ودولي، أحد أهم أهداف هذا الدعم هو قطع الطريق على إيران وحزب الله، ما يجعل الهدف النهائي هو تسليم المنطقة للإرادة الأمريكية والإسرائيلية، والقضاء على كافة أشكال المقاومة”.

وأشار جابر إلى أن طهران تدرك تمامًا أن هذه السلطة لا ترفض فقط النفوذ الإيراني في سوريا، بل تعاديها بشكل صريح، إذ قال “المسألة واضحة، سقوط نظام الأسد يعني أن الدور القادم سيكون على إيران، وبالتالي، فإنها تجد نفسها مضطرة إلى مواجهة هذا النظام.

4_11zonوعن رغبة إيران في زيادة نفوذها بسوريا، أوضح أن طهران لا تسعى لذلك، لكن في الوقت ذاته، فإنها تجد نفسها في مواجهة طوفان جديد يهدد وجودها في المنطقة، ورغم ذلك تملك القدرة والإرادة لتحديد موقفها من الإدارة الجديدة وإعلان رفضها الصريح لها.

إيران منهكة داخليًا

“إيران تعتمد دائمًا على أذرعها خارج حدودها”، حسب ما قاله وجدان عبد الرحمن الباحث في الشأن الإيراني، مضيفًا أن طهران لم تتدخل بشكل مباشر خارج حدودها، بل اعتمدت على فصائلها في المنطقة، الآن هذه الفصائل انتهت أو تراجعت بشدة.

وتابع عبد الرحمن: “إيران الآن منهكة داخليًا، وتعاني من أزمات اقتصادية واحتجاجات شعبية. أي تحرك عسكري جديد من داخل البلاد سيؤدي إلى اضطرابات كبيرة، ما يجعل من المستبعد جدًا أن تتمكن طهران من حماية مصالحها الإقليمية أو تأمين عمقها الاستراتيجي عبر القوة العسكرية.

وأكد الباحث في الشأن الإيراني، أن “إسرائيل والغرب يدركان تمامًا أن دور طهران في سوريا انتهى، حتى أن القدرات العسكرية الإيرانية التي بقيت في سوريا، من صواريخ ومسيرات ومخازن ذخيرة، تم تدميرها بالكامل بعد سقوط نظام بشار الأسد”

وبناء على الظروف الحالية، فإن إعادة النفوذ الإيراني إلى سوريا أمر مستحيل، السيطرة الدولية والإقليمية على الحدود السورية العراقية تجعل من عودة إيران إلى المشهد السوري أمرًا في غاية الصعوبة، وربما مستحيلًا تمامًا، حسب ما قاله الباحث في الشأن الإيراني.

خريج كلية الإعلام جامعة القاهرة عام 2010، متخصص في الصحافة الثقافية والاجتماعية، شغوف برصد القصص الملهمة وتسليط الضوء على نجاحات الأفراد والمجتمعات.