بعيدا عن السياسة.. ماذا يعني انتخاب رئيس جديد للبنانيين؟

– مارينا ميلاد:

بعد فراغ دام قرابة عامين في قصر بعبدا الرئاسي بلبنان، جاءه رئيس جديد اليوم، وهو قائد الجيش جوزيف عون.

ومنذ انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال عون في أكتوبر 2022، أخفق البرلمان اللبناني خلال 12 جلسة في انتخاب رئيس جديد حتى اتفقوا اليوم وسط جدل حول ضغوط خارجية لانتخاب “عون”.

فقد أعلن السياسي سليمان فرنجية، انسحابا مفاجئا لصالح قائد الجيش، كما تكثّفت الاجتماعات والمشاورات بين القوى السياسية في الساعات الأخيرة للاستقرار على مرشحهم. وبعد اجتماع بين جولتي التصويت، حصل بعدها “عون” على تأييد 99 نائبا من إجمالي 128 نائبا شاركوا في العملية الانتخابية.

وبعيدًا عن الدوائر السياسية، فمثل انتخاب الرئيس “خطوة مهمة” عند عموم اللبنانيين.

فتصفها زينب فرج، وهي صحفية لبنانية، بـ”لحظة تاريخية” جاءت بعد حرب فتكت بلبنان وتعطل للمؤسسات نتيجة الانقسامات السياسية. إذ ترى، أن رئيس الجمهورية الجديد عليه أن يتولى ما أسمته “مهمة ترميم ما تم تدميره خلال فترة الفراغ الرئاسي، والعمل على استعادة توازن النظام السياسي”.

وحين خرجت “زينب” إلى الشارع ببيروت لاستطلاع الآراء، لاقت تفاوتًا كبيرًا في التوجهات الشعبية، فتحكي أن بعض اللبنانيين يرون في انتخاب الرئيس خطوة إيجابية نحو تحقيق الاستقرار السياسي والأمني، بينما يشعر آخرون بالإحباط والخيبة، حيث يعتقدون أن انتخاب الرئيس لا يمكن أن يكون حلاً جذريًا لمشاكل البلاد المتفاقمة، خصوصًا في ظل الظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة.

وتُلخص كل ما سمعته بقولها: “سئم الناس من التخبّط السياسي المستمر، وما يُهم حقًا هو أن يشعر المواطنون بتأثير مباشر لهذا الانتخاب على حياتهم، كشعور الأمان في الشارع، تحسن الخدمات العامة، وتوفير فرص عمل”.

وتمر لبنان بأزمة اقتصادية طاحنة منذ عام 2019، أفقدت العملة المحلية أكثر من 90% من قيمتها، وتركت نحو 80% من اللبنانيين في فقر. وكان الجيش اللبناني بقيادة جوزيف عون من بين أكثر المتأثرين على ما يبدو.

فخلال عام 2021، ناشد الجيش اللبناني، الذي يضم نحو 80 ألف جندي، القوى العالمية لمساعدته على “النجاة من الانهيار الاقتصادي، الذي جعل جنوده جوعى ويعانون”، وقتها، قال “عون” في كلمة ألقاها: “نحن مضطرون إلى اللجوء إلى الدول الحليفة لتأمين المساعدة، وأنا مستعد للذهاب إلى نهاية العالم للحصول على ذلك حتى يتمكن الجيش من الوقوف على قدميه”.

واستجابت الولايات المتحدة وباتت من أكبر داعميه، حيث أعلنت آنذاك أنها ستزيد تمويلها للجيش اللبناني إلى 120 مليون دولار. ويتلقى الجيش أيضا دعمًا من دول أخرى كفرنسا والسعودية وقطر.

ورغم انتقادات طالت “عون” نتيجة اعتماده على تلك المساعدات، فثمة مواقف أخرى تُحسب له جعلته “محل ثقة”، بالنسبة لجورج نقاد (رئيس بلدية بلدة ديرميماس اللبنانية).

فيقول: “بدون شك خطوة إيجابية، العالم سعيدة، فالناس تعرف هذا الرجل خلال عمله بالجنوب، فكانت علاقته جيدة بالجميع”.

وشهدت تلك المناطق الجنوبية ومنها بلدة “ديرميماس” وما يجاورها العديد من الغارات الإسرائيلية غير التوغل البري خلال العام الماضي إثر الحرب الدائرة بين إسرائيل وحزب الله. وعزز “الجيش” بقيادة “عون” خلال الفترة الماضية انتشاره بها كجزء من اتفاق الهدنة الذي دخل حيز التنفيذ في 27 نوفمبر 2024.

وربما تلك التطورات عززت كفة جوزيف عون، بحسب محللين، نقلت وكالة “فرانس برس” قولهم إن “الدور المطلوب من الجيش في المرحلة المقبلة لتنفيذ وقف لإطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله شكّل عنصراً حاسماً في ترجيح أن يكون هو الرئيس”.

ويبدو أن المواطنين يأملون الشيء نفسه، فاعتبر جواد فؤاد (31 سنة)، وهو من مدينة بعلبك ويعمل مهندسًا، أن انتخاب “عون” هو “صفحة جديدة للبنان. فيقول، وهو يتابع أداء اليمين الدستورية في مقر البرلمان المذاع عبر الشاشات، “ربما يخفف من الركود والأزمة الاقتصادية، ويكون أمل لنا”.

وخلال كلمته بخطاب القسم الذي تلي أداء اليمين، قال عون “عهدي الى اللبنانيين أينما كانوا، اليوم تبدأ مرحلة جديدة من تاريخ لبنان. سأكون الخادم الأول للحفاظ على الميثاق ووثيقة الوفاق الوطني وأن أمارس صلاحيات رئيس الجمهورية كاملة كحكم عادل بين المؤسسات”. وتعهد بـ”احترام الهدنة مع إسرائيل وإنهاء احتلالها للبنان”.

وفي طريق “عون” إلى قصر بعبدا، نافس مرشحين آخرين، بينهم جهاد أزعور (المسؤول البارز في صندوق النقد الدولي ووزير المالية الأسبق)، واللواء إلياس البيسر (مدير عام الأمن العام)، واحتاج تعديل دستوري ليتسلم منصبه، إذ إنّ الدستور اللبناني لا يسمح بانتخاب موظفين مازالوا يشغلون مناصب من الفئة الأولى، ويشترط مرور عامين على استقالتهم أو إحالتهم إلى التقاعد، ليصل بكل ذلك إلى مكتبه المتراص عليه ملفات عدة تنتظره، في مقدمتها إعادة الإعمار بعد الحرب الإسرائيلية الأخيرة على لبنان، والأزمة الاقتصادية المستمرة لسنوات، وتحديد شكل العلاقات الخارجية للبنان.

اقرأ أيضا:

رحلة عاهد: من بساتين الكرز إلى النزوح والدمار في لبنان

بلا أحباء ولا بيوت.. هكذا يقضي جنوب لبنان عيد الميلاد بعد الحرب