دعت زينب العدوي، رئيسة المجلس الأعلى للحسابات، إلى “استغلال كافة قنوات التواصل الممكنة من أجل توعية الشركات والمقاولات، والأسر، والمواطنين بضرورة ترشيد السلوك الاستهلاكي للماء، فضلا عن تفعيل آليات الردع تجاه السلوك اللامسؤول لاستهلاك الماء”، وذلك “انطلاقا من التجارب الناجحة على الصعيد الدولي”.
كما أوردت العدوي، في جلسة عمومية مشتركة بين غرفتي البرلمان لتقديم عرض عن أعمال المجلس الأعلى للحسابات برسم 2023-2024، ضرورة “اللجوء إلى استعمال الطاقات المتجددة قصد تعبئة الموارد المائية، خاصة في مجال تحلية مياه البحر، مع تشجيع البحث العلمي في المجال المائي والانفتاح أكثر على الجامعات ومختبرات البحث كي تساهم في اقتراح حلول للإشكاليات البيئية، لا سيما تلك المتعلقة بالماء والتربة”.
وعلاقة بتدبير الطلب والاقتصاد وتثمين الماء، قالت رئيسة المجلس الأعلى للحسابات: “بالرغم من الجهود المبذولة لتحديث شبكات السقي الجماعي وتوسيع نطاق استخدام الري الموضعي لتحقيق الاقتصاد في استهلاك المياه، إلا أن ذلك لم يمكن من الحد من زيادة الطلب على مياه السقي”، وزادت: “إلى غاية نهاية سنة 2023، لم تتجاوز المساحة المجهزة بنظام السقي الموضعي 50 في المائة من إجمالي المساحة المسقية على الصعيد الوطني، بالنظر إلى بطء وتيرة التجهيز الداخلي للضيعات الفلاحية في إطار مشاريع التحول الجماعي إلى هذا النظام في السقي”.
وأشارت المسؤولة ذاتها كذلك إلى عدم استفادة القطاع الفلاحي من الإمكانات التي توفرها المياه العادمة المعالجة، التي بلغ حجمها سنة 2023 حوالي 37 مليون متر مكعب، مرجعة ذلك إلى عوامل عدة، منها “غياب معايير لتحديد خصائص جودة المياه العادمة المعالجة من أجل استعمالها في القطاع”، موردة أن “التدبير الأنجع للماء يقتضي أيضا مواصلة تقليص الكميات المهمة للتسربات في شبكات النقل بالرفع من مردوديتها من 77 في المائة، كمعدل وطني حاليا، إلى 80 في المائة كهدف في أفق سنة 2030”.
وبينت العدوي أمام النواب والمستشارين وأعضاء الحكومة ومسؤوليين في مؤسسات سيادية أنه “على الرغم من أن بلادنا عملت على ملاءمة الترسانة القانونية المتعلقة بالماء، إلا أن المقاربة القانونية تظل غير كافية ما لم تقترن بمقاربة متعددة الأبعاد، تضمن تحقيق التكامل والالتقائية بين قطاعات الماء والفلاحة والطاقة، وتلاؤم استراتيجياتها واندماجها على المستوى الترابي”.
كما تطرقت المسؤولة عينها في عرضها إلى الورش الإصلاحي للجهوية المتقدمة، مشيرة إلى كون المجلس باشر خلال سنة 2024 تتبعه لهذا الإصلاح، وذلك استكمالا للمهمة الموضوعاتية التي أنجزها بهذا الخصوص في نونبر 2023، موضحة أن “السلطات العموميّة بادرت إلى تسريع هذا الورش من خلال مجموعة من الإصلاحات القانونية والمؤسساتية المرتبطة باللامركزية واللاتمركز الإداري، بالإضافة إلى تخصيص آليات متجددة وموارد لمواكبة الجهات في تفعيل اختصاصاتها ودعم قدراتها التدبيرية”.
وقدمت المتحدثة ملاحظة متصلة باستمرار المنحى التصاعدي للموارد المالية المرصودة من قبل الدولة لفائدة الجهات، إذ ارتفعت المساهمات المخصصة من الصندوق الخاص لحصيلة حصص الضرائب المرصودة للجهات من 3,79 مليار درهم في سنة 2016 إلى 8,79 مليار درهم في سنة 2023، مضيفة أن “إجمالي الموارد المحولة من قبل الدولة بلغ حوالي 57,64 مليار درهم خلال الفترة من فاتح يناير 2018 إلى متم سنة 2024، بالإضافة إلى موارد صندوق التضامن بين الجهات التي بلغت 6,19 مليار درهم خلال الفترة نفسها”.
وشددت أيضا على أن “وتيرة تفعيل هذا الورش الهيكلي تستلزم المزيد من الجهود لتسريع تنفيذ الميثاق الوطني للاتمركز الإداري على أرض الواقع، من خلال تفعيل الإجراءات المبرمجة وتقييم النتائج، حيث إن معدل إنجاز خارطة الطريق المتعلقة بالميثاق المذكور لم يتجاوز 36 في المائة إلى غاية منتصف أكتوبر 2024، كما تبقى وتيرة نقل وتفويض الاختصاصات ذات الأولوية المتعلقة بالاستثمار إلى المصالح اللاممركزة غير كافية، حيث لم تتجاوز نسبتها 38 في المائة في منتصف أكتوبر 2024”.
وعلى صعيد آخر، لفتت العدوي إلى أن نجاح التعاقد بين الدولة والجهات وباقي المتدخلين يبقى رهينا باعتماد إطار تنظيمي يحدد بشكل واضح التزامات مختلف الأطراف خلال مراحل إعداده وتنفيذه، وكذا ترشيد وضبط أجال الإجراءات المتعلقة بمسطرة إبرام العقد، بهدف تدارك النقائص المسجلة على مستوى تنفيذ الجيل الأول من برامج التنمية الجهوية.
وذكرت المسؤولة المغربية، في عرضها المطول خلال اجتماع البرلمان بغرفتيه، أن هذه الوضعية تستدعي تحري الدقة في تحديد المشاريع ذات الأولوية المقرر إنجازها في إطار عقد بين الدولة والجهة وباقي المتدخلين يتضمن الآليات الكفيلة بإنجاحها، لا سيما من خلال تحديد شكليات وشروط إبرام وتنفيذ هذا العقد.
وشددت على “مواكبة الجهات في إنجاز برامج التنمية الجهوية التي تم التأشير عليها لتدارك النقائص المسجلة في السابق، مع مراعاة قدراتها التدبيرية والموارد المالية الملتزم بتعبئتها.
وبخصوص البرامج التنموية للفترة 2022-2027 قالت: “إلى غاية منتصف شهر أكتوبر 2024، لم تصادق مجالس الجهات على عقود البرامج المتعلقة بها”.
هذا الوضع يعزى، وفق المتحدثة، “إلى عدم تزامن التخطيط لمرحلة إعداد هذه العقود مع مسطرة إعداد برامج التنمية الجهوية. كما لم يساعد أيضا تأخر تعيين رؤساء التمثيليات الإدارية القطاعية والمشتركة على مستوى الجهات وتفويض الاختصاصات التقريرية إليهم على تيسير مسطرة التشاور حول مضمون هذه العقود بين الجهات والقطاعات الوزارية المعنية”.
وبخصوص خارطة الطريق للمرحلة القادمة، أعلنت رئيسة المجلس الأعلى للحسابات تسجيل المؤسسة الدستورية التوصيات التي أسفرت عنها المناظرة الوطنية الثانية للجهوية المتقدمة المنعقدة في دجنبر المنصرم، والتي تتماشى مع الخلاصات التي أوردها المجلس في تقريره حول التقييم المؤسساتي للجهوية المتقدمة في نونبر 2023 وكذا من خلال تتبعه لهذا الورش الإصلاحي الاستراتيجي”.