سجلت ورقة بحثية منشورة ضمن العدد الأخير من مجلة “شؤون إستراتيجية” أن “التحول الرقمي الذي خضعت له الإدارة القضائية المغربية ساهم في دعم الولوج إلى العدالة والرفع من جودة خدماتها، وتمكين المتقاضين من المعلومة، فضلا عن توحيد عمل كتابة الضبط بالنيابة العامة، والحصول على إحصائيات مضبوطة وكذا تتبع الإنتاجية والمردودية وتدبير الزمن القضائي وتسهيل بعض الخدمات”.
وفي المقابل أشارت الورقة البحثية، المعنونة بـ”منظومة العدالة المغربية بين التحول الرقمي ومستقبل استخدام الذكاء الاصطناعي”، إلى أن “واقع العدالة الرقمية بالمغرب لم يصل إلى الشكل المعمم، إذ إن هناك نوعا من التباين بين المؤسسات في الجهاز القضائي”، مبرزة أن “التقاضي الآلي يتميز بالتنبؤ واتخاذ القرار والاستقلالية، والتعلم المستمر والسرعة في تقديم الخدمات وتجاوز الأخطاء البشرية”.
وتابعت الورقة ذاتها بأن “إدخال الذكاء الاصطناعي في المحاكم نوع من الإصلاح القضائي الذي يعد جزءا من نظام العدالة الناجزة، ويهدف إلى سرعة الفصل في الدعاوى وتحقيق الجودة وإصدار الأحكام وإتاحة الوصول إلى العدالة للجميع، وتجاوز كثرة القضايا والضغط الذي تعاني منه المهن القضائية”، مؤكدة في الوقت ذاته أن “استخدام الذكاء الاصطناعي في المجال القضائي من شأنه أن يمس بالمبادئ الأخلاقية المحددة، وبالتالي احتمال وجود آثار على حقوق المتقاضين، كالحق في قضاء مستقل ومحايد والحق في علنية المحاكمة، والحق في الحصول على حكم معلل، والمس بمبدأ قرينة البراءة؛ بمعنى آخر المس بالمحاكمة العادلة وبالإنصاف”.
وسجل المصدر ذاته أن “التطورات التي يشهدها المغرب في المجالات القانونية والقضائية والحقوقية أصبحت تفرض على المنظومة القضائية مواكبة المستجدات والأشكال الحديثة للتكنولوجيا، والانفتاح على خدمات جدية تتحكم في الآجال وترفع الجودة والأمن القضائي”، مشيرا إلى أنه “بالرجوع إلى قانون المسطرة الجنائية مازال الاعتماد قائما على الاستماع إلى الشاهد عبر تقنيات الاتصال عن بعد، أما المحاكمة عن بعد فمازالت تخضع لحضور المتهم الشخصي”، وزاد: “استمر الخلاف الفقهي حول موضوع الحضور الشخصي إلى حين الامتثال لظروف جائحة كورونا وفرض المحاكمة عن بعد، والخضوع لتوصيات ميثاق إصلاح منظومة العدالة الرامية إلى تحديث الإدارة القضائية وتعزيز حكامتها وإرساء مقومات المحكمة الرقمية”.
وذكر البحث ذاته أن “المغرب عمد في إطار نهجه سياسة تسهيل الوصول إلى العدالة وتسريع الإجراءات القضائية إلى ترسيخ وتعزيز الرقمنة، إذ تم إطلاق العديد من المنصات، على رأسها البوابة الإلكترونية لمحاكم المغرب التي تتيح للمواطنين والمحامين متابعة القضايا والإجراءات القضائية إلكترونيا، إضافة إلى النظام الإلكتروني لتدبير الملفات القضائية؛ فضلا عن إطلاق منصة البوابة القضائية للمملكة، باعتبارها فضاء رقميا خاصا بنشر القرارات والأحكام الصادرة عن المحاكم وجعلها رهن العموم”.
في هذا الصدد سجلت الوثيقة ذاتها أن “النشر الرقمي للاجتهاد القضائي يكتسي أهمية بالغة في ضمان حق الولوج إلى المعلومة، والإسهام في تحقيق الأمن القضائي، وتعزيز ثقة المتقاضين في مرفق العدالة والارتقاء بجودة الأحكام الصادرة عن محاكم المملكة المغربية، فضلا عن تكريس مبدأ الشفافية والنزاهة والنجاعة القضائية، باعتبارها جزءا لا يتجزأ من دولة الحق والقانون وترسيخ قيم حقوق الإنسان التي كرسها الدستور المغربي”.
وأضافت الورقة أن “المغرب قام بجهود جبارة في إطار التحول الرقمي للنظام القضائي، غير أن هذه الإنجازات تعارضت مع جملة من الإكراهات، منها ما يتعلق بالبنية التحتية التكنولوجية، ومنها ما ارتبط بالتكوين والتدريب، إذ يتطلب التحول الرقمي تأهيل وتدريب الموارد البشرية القانونية والقضائية على استخدام التكنولوجيا الحديثة بفعالية، إضافة إلى إكراهات مرتبطة أساسا بالأمن السيبراني، خاصة في ظل تزايد الاعتماد على الأنظمة الرقمية، إذ يتطلب ذلك تعزيز الإجراءات الحمائية للبيانات والمعلومات والمعطيات القانونية”.
وفي معرض حديثها عن الذكاء الاصطناعي في النظام القضائي وإشكالية تحقيق العدالة أكدت الوثيقة ذاتها أن “اعتماد الذكاء الاصطناعي أصبح اليوم واقعا لا محيد عنه، وإن كان يهدف في باطنه إلى الوصول إلى خدمات إيجابية عديدة فإنه في الوقت ذاته يحمل تأثيرات ترتبط بمنظومة القيم واحترام حقوق الإنسان”، مردفة: “تتعين تهيئة كل من السلطة التشريعية والقضائية للتعامل مع النظم الذكية. وإن كانت التجربة المغربية مازالت جديدة في استعمال التكنولوجيا الحديثة فهي مازالت في مرحلة إرساء المحكمة الرقمية وتهيئة البنية المعلوماتية؛ إلا أنه يجب أن تستعد لإعداد ترسانة قوية تتماشى مع استخدامات الذكاء الاصطناعي في كافة المجالات، وعلى رأسها المجال القضائي؛ كما يتعين عليها أن تستفيد من تجربة الدول المقارنة في ذلك، على غرار التجربة الأوروبية والأمريكية والإماراتية”.
وخلصت الورقة البحثية إلى أن “دمج الذكاء الاصطناعي في النظام القانوني أدى إلى إحداث نقلة نوعية، الأمر الذي مثل تفاعلا معقدا في نظام العدالة وفي المهن القانونية والقضائية، ما أعاد تشكيل مشهد الخدمات القانونية وظهور الخوارزميات المتطورة ومعالجة اللغة الطبيعة”، خاتمة: “رغم عدم وجود إجماع حتى الآن حول كيفية قيام الذكاء الاصطناعي بتشكيل المهن القانونية فإننا نعلم أن هذا الذكاء مهيأ لتغيير كل جانب من جوانب حياتنا تقريبا”.
تعليقات