عقد موقع «الحرية» حوارًا شائكً مع السياسي أكرم إسماعيل، العضو المؤسس بحزب العيش والحرية (تحت التأسيس) لاستقراء إرث ثورة 25 يناير في الذكرى الرابعة عشرة على اندلاعها، وتحليل تداعياتها على مصر والمنطقة العربية، في ظل تحوُّلاتٍ جيوسياسيةٍ طالت الشرق الأوسط، وصعود تياراتٍ شعبويةٍ تُهدد الديمقراطية الناشئة.
شكَّلت ثورة يناير – بحسب إسماعيل – لحظةً فارقةً في التاريخ الحديث، تجسيدًا لانفجارٍ شعبيٍّ ضد أنظمةٍ استبداديةٍ عجزت عن مواكبة تطلعات الأجيال الجديدة، لكنها اصطدمت بغياب رؤيةٍ واضحةٍ لمرحلة ما بعد الثورة، وانتهت إلى صراعٍ مريرٍ بين قوى الثورة والمُضادّة.
أبرزت الثورة – كما رأى – إشكاليةً عميقةً في علاقة الإسلام السياسي بالديمقراطية، حيث فشلت القوى الإسلامية في ترجمة الشعارات الثورية إلى نظامٍ سياسيٍّ مستدام، بل ساهمت في تفكيك الأحلام الديمقراطية، بينما استغلت “الدولة العميقة” الفراغ لاستعادة هيمنتها.
ارتبطت الثورة المصرية – وفق تحليله – بسياقٍ عالميٍّ شهد تراجعًا في الموجة الديمقراطية، وصعودًا لليمين الشعبوي المُعادي للحريات، وهو ما انعكس على المنطقة العربية عبر دعم أنظمةٍ استبداديةٍ تتناغم مع مصالح القوى الكبرى، خاصةً بعد تحوُّل إسرائيل إلى لاعبٍ مهيمنٍ مدعومٍ دوليًّا.
رفض إسماعيل اختزال الثورة في كونها “ثورة شباب”، رغم دورهم المحوري فيها، مؤكدًا أن غياب قيادةٍ وطنيةٍ موحدةٍ سمح للنظام الأمني بتفكيك الحراك الثوري، عبر ملاحقة النشطاء وقمع أي محاولةٍ لإعادة تشكيل قوةٍ سياسيةٍ فاعلة.
أكد أن بناء ديمقراطيةٍ حقيقيةٍ في مصر يتطلب معارضةً مدنيةً مستقلةً ذات رؤيةٍ واضحة، وإصلاحًا جذريًّا للقوانين الانتخابية، وتعزيزًا للحركات الاجتماعية (النقابية، النسوية، الحقوقية)، مع إضعاف هيمنة الأجهزة الأمنية على الحياة السياسية.
اختتم حواره بالتشديد على أن الطريق نحو التغيير ما زال طويلًا وشائكًا، لكن ثورة يناير – رغم إخفاقاتها – تركت إرثًا ثوريًّا يؤكد أن “الحلم الديمقراطي” لم يمت، بل يحتاج إلى صبرٍ وإرادةٍ جماعيةٍ لتحقيقه في ظل ظروفٍ إقليميةٍ ودوليةٍ معقدة.
كيف ترى تأثير ثورة 25 يناير بعد مرور 14 عامًا؟ وهل تعتقد أنها حققت أهدافها الأساسية؟
ثورة 25 يناير كانت نقطة تحول في تاريخ مصر والمنطقة بأسرها. لم تكن مجرد احتجاجات شعبية، بل كانت نتيجة لتراكم أزمات في الأنظمة الحاكمة التي عجزت عن تلبية تطلعات الشباب والأجيال الجديدة.
الثورة فتحت المجال لحلم بناء نظم سياسية واجتماعية أكثر عدلًا، لكنها لم تحقق أهدافها الأساسية بشكل كامل. التحديات الإقليمية والدولية، إضافة إلى الوضع السياسي المحلي، أثرت على مسار الثورة وجعلت تحقيق الأهداف الديمقراطية أكثر صعوبة.
ما هي أبرز العقبات التي واجهتها الثورة وأثرت على تحقيق مطالبها؟
واجهت الثورة عدة عقبات كبيرة:
- الدور البارز للقوى الإسلامية التي لم تتمكن من تأسيس نظام ديمقراطي مستدام وساهمت في تفتيت الفرص السياسية.
- الوضع الإقليمي غير المواتي، حيث كانت المنطقة العربية في حالة صراعات واضطرابات حالت دون نجاح أي تجربة ديمقراطية.
- الصعود العالمي لتيارات اليمين الشعبوي التي أثرت على الديمقراطية وحقوق الإنسان، ما زاد من تعقيد المشهد السياسي في مصر.
- الهيمنة الأمنية التي عملت على قمع الحراك السياسي والثوري عبر حملات اعتقال وملاحقة للشباب والقيادات الثورية.
كيف تقيّم دور الشباب الذين قادوا الثورة في ذلك الوقت؟ وهل ترى أن دورهم مستمر حتى اليوم؟
الشباب كانوا أحد أبرز العناصر الفاعلة في الثورة، إذ لعبوا دورًا رئيسيًا في إشعال شرارتها وتنظيم الاحتجاجات. ومع ذلك، غياب القيادة السياسية الواضحة جعلهم غير قادرين على تحقيق تأثير مستدام.
تعرض العديد من الشباب لحملات قمع مكثفة تضمنت الاعتقالات والتعذيب، مما أدى إلى تراجع دورهم في السنوات اللاحقة. رغم ذلك، لا يزال بعضهم متمسكًا بالقيم التي قامت عليها الثورة، لكن تأثيرهم بات محدودًا في ظل الأوضاع الحالية.
ما هي الدروس المستفادة من ثورة 25 يناير التي يجب أن تتعلمها الأجيال الجديدة؟
الدروس المستفادة عديدة، منها: ضرورة وجود قيادة سياسية واضحة قادرة على توجيه الحراك نحو تحقيق أهدافه، وأهمية تأسيس معارضة مدنية مستقلة تعمل بشكل منظم ولديها رؤية وبرنامج سياسي محدد.
تعزيز الحركات الاجتماعية كالنقابات والنسوية وحركات المواطنة لتقوية النسيج المجتمعي، وتعلم أن التغيير الديمقراطي يحتاج إلى صبر وجهود جماعية طويلة الأمد، وليس لحظات حماسية فقط.
هل تعتقد أن ثورة 25 يناير لا تزال حاضرة في وجدان الشعب المصري أم أنها أصبحت مجرد ذكرى؟
الثورة لا تزال حاضرة في وجدان الكثيرين ممن يعتبرونها بداية حلم التغيير وبناء نظام ديمقراطي عادل. لكن بالنسبة للبعض، أصبحت مجرد ذكرى بسبب الإحباط الناتج عن عدم تحقيق أهدافها وصعوبة الظروف الحالية التي تواجهها البلاد.
كيف ترى تعامل الإعلام والسياسة مع ذكرى الثورة الآن؟ وهل تُقدَّم الصورة الحقيقية لما حدث؟
الإعلام والسياسة يميلان إلى إعادة صياغة أحداث الثورة بما يتماشى مع المصالح الحالية، مما يؤدي إلى تشويه الصورة الحقيقية لما حدث.
ذكرى الثورة غالبًا تُعامل كحدث عابر بدلًا من التركيز على قيمها ودروسها الأساسية.
إلى أي مدى أثرت الثورة على السياسات المصرية خلال السنوات الماضية؟
الثورة أثرت بشكل كبير على مسار السياسات المصرية، إذ أدت إلى تغييرات سياسية واجتماعية واضحة في البداية. لكن مع مرور الوقت، أعيدت صياغة السياسات بطريقة أعادت الهيمنة للنظام الأمني والسياسي التقليدي.
في رأيك، كيف يمكن إحياء قيم الثورة وأهدافها في الظروف الحالية؟
إحياء قيم الثورة يتطلب:
- تأسيس معارضة مدنية مستقلة تعمل بشكل منظم وفعّال.
- إصلاح القوانين الانتخابية بما يضمن مشاركة سياسية أوسع.
- تعزيز دور الحركات الاجتماعية والنقابية والنسوية.
- إنهاء هيمنة النظام الأمني على العملية السياسية لفتح المجال أمام الحريات والديمقراطية.
هل ترى أن تحقيق مصالحة سياسية بين الأطراف المختلفة يمكن أن يُعيد الأمل في تحقيق أهداف الثورة؟
المصالحة السياسية قد تكون خطوة محورية لإعادة الأمل في تحقيق أهداف الثورة. لكنها تتطلب إرادة سياسية صادقة من جميع الأطراف واعترافًا بالمسؤولية عن الإخفاقات السابقة لضمان مستقبل أكثر عدلًا وديمقراطية.
لو عاد بك الزمن إلى عام 2011، هل ترى أن الثورة كانت تحتاج إلى قيادة سياسية واضحة لتوجيهها بشكل أفضل؟
بالتأكيد، غياب القيادة السياسية الواضحة كان من أكبر التحديات التي واجهت الثورة. القيادة كانت ضرورية لتوجيه الحراك الشعبي نحو أهداف محددة ولتوحيد القوى المختلفة ضمن رؤية مشتركة، ما كان يمكن أن يُسهم في تحقيق تغيير أكثر استدامة.